يعد “عصير التبلدي أو الجونجليز” كما يطلق عليه ملك العصائر التي يقدمها الأشقاء في السودان للزائرين وأهل البيت سواء في المنازل أو الفنادق الكبيرة أو في المحلات ممزوجا بالفاكهة الطبيعية مثل الأناناس التي تعطيه نكهة لا تقاوم، بل هناك من تخصص في صناعة الحلوى منه نظرا لفوائده الغذائية والصحية الكبيرة كما يقولون عنه.
وقال الخبير الزراعي بهيئة الغابات والصمغ العربي، المهندس أحمد قسومة، عضو منظمة إعلاميون من أجل البيئة، إن التبلدي المعروف بـ(الجونجليز) هو ثمار شجرة التبلدي الأفريقية المعروفة، وهو عبارة عن علبة قشرية سميكة لا تنفتح تلقائيا، وهي مخملية الملمس بلون بني أو مائل للصفرة، وفي داخلها عدد كبير من البذور التي تشبه الكلية، تفصل البذور عن بعضها مادة بيضاء هشة ذات طعم بين العسلي والحامضي، وتحتوي على نسب كبيرة من فيتامين C، وعدد من الاحماض، وهي سهلة الذوبان في الماء، ومن هذه المادة ذات القوام الدقيقي يصنع مشروب التبلدي، وهو مشروب منعش وملطف، ويضاف له السكر ويمكن ان يُشرب مع الحليب والشعير.
وأشار قسومة إلى أن أول من اكتشف فوائد هذا المشروب هم الرعاة في بوادي كردفان غرب السودان، فهم يحلبون أغنامهم وأبقارهم داخل الثمرة بعد أن يشقوها، ثم يشربون الخليط المنعش والمشبع معا.
وأضاف قسومة قائلا: كما ظهر في الأونة الأخيرة تقديم التبلدي أو الجونجليز علي الطريقة المصرية في تقديم حمص الشام في مصر، حيث راجت في الخرطوم مؤخرا ممارسة تناول الجونجليز بـ(الشطة والملح والليمون والدكوة) إذ يقوم الباعة حول المدارس والجامعات والأسواق بخلط ثمار الجونجليز بالشطة والملح بعد ترطيبها داخل أكياس، لبيعها للطلاب والطالبات والمارة بالأسواق، باعتبارها نوعا من أنواع المكسرات الشعبية.
وأوضح أن البورد الصيدلي الكندي توصل إلى اكتشاف علمي جديد يقول إن التبلدي عبارة عن مادة مضادة للكوليسترول، ويوصي بتناوله يوميا على شكل عصير لمدة شهرين لتصحيح أوضاع الدم والشرايين والأوردة حيث يعطي نتيجة مدهشة لم تستطع العقاقير الطبية المعتمدة صيدليا الوصول إليها، لافتا إلى أن هناك معلومة شعبية في دارفور، تقول إن كبار السن ينصحون الشباب بشراب عصير الجونجليز بعد تعاطي اللحوم الدسمة من قبل ان يثبت العلم الحديث الفوائد العلمية للتبلدي في تقليل نسبة الدهون في الدم، يقول: ربما استندوا في ذلك إلى الفطنة الشعبية.
وقال إن النسبة العالية من فيتامين C الموجودة في التبلدي يمكن أن تزيد بشكل كبير من إمتصاص الحديد، ولها القدرة في الحفاظ على مستوى السكر في الجسم وإبطاء إمتصاصه.
كما تحتوي الثمار على نوعين من الألياف القابلة للذوبان وغير القابلة للذوبان، التي تساعد على الهضم، لذا يحسن صحة الجهاز الهضمي، كما يعزز نمو البكتيريا الجيدة في الأمعاء، ويحسن من كفاءة العملية الهضمية ويحفظ الجسم من أي بكتيريا ضارة في الجهاز الهضمي، كما يوصي الأطباء بتناوله لأن جسم الإنسان يحتاج إلى فيتامين C يوميا والذي لا ينتجه الجسم، ويتم تعويضه عن طريق البرتقال وثمار التبلدي الغني بفيتامين C وبمضادات الأكسدة، الأمر الذي يعزز جهاز المناعة لذا يستخدم البعض مسحوقه في رش بعض الأطعمة مثل الأسماك والخضار.
ولفت إلى أن تناول ما يعادل 5 ر4 جرام يوفرعلى الأقل يوميا 33% من احتياجات الجسم اليومية من فيتامين C، كما يعزز مع مضادات الأكسدة الأخرى التفاعل المناعي ويجعله قادرا على محاربة أي مسببات للأمراض مثل الفيروسات والبكتيريا، كما وجدت دراسة في عام 2013 أن تناول 18.5 جرام و37 جرام من التبلدي يمكن أن يقلل مستوى السكر في الدم بشكل كبير.
وقال مساعد مدير الاستثمار بوزارة الزراعة السودان أم الكرام ، والتي تقوم بتصنيع منتجات التبلدي الجونجليز محليا ويدويا. إن عملية تصنيع الجونجليز اخذت منحى كبير في الاستثمار الزراعي والصناعي لمنتجات التبلدي وصارت هناك مصانع خاصة وكبيرة لتنويع منتجاته وبأشكال مختلفة لما يحققه من ربح وتوفير فرص العمل للشباب وربات البيوت.
ويستطرد قسومة حديثه قائلا ، أما فوائد هذه الشجرة فإنه يصنع من لحائها أليافا تصنع منها شباك صيد الأسماك وحبال الملابس كما للأوراق تأثيرات علاجية حيث تستخدم في الطب الشعبي علاجا للحمى وأمراض المعدة ووقف النزيف وعلاج للإسهال والدسنتاريا وتقوية جهاز المناعة ومنع فقر الدم، وتحسين صحة الجهاز الهضمي والحفاظ على بشرة صحية ودعم خسارة الوزن وخفض ضغط الدم وزيادة مستوى الطاقة ويعالج الحمي.
وأوضح أن شجرة التبلدي هي عبارة عن نبات (الخبازيات) يتبع للفصيلة الخبازية وأسمها العلمي (أدانسونيا)، يطلق عليها في بعض المناطق (الباوباب) وهي الأسم الأكثر شيوعا في العالم، كما تعرف في السودان (بالجونجليز) أو التبلدي وتسمى بهذا الاسم في بعض الدول العربية.
وشجرة التبلدي شجرة ضخمة ظليلة قد يصل قطر جذعها إلى 15 مترا، وهي شجرة معمرة قد يصل عمرها إلى 5 آلاف عام، وتنتشر أشجاره في أقاليم غرب السودان على وجه الخصوص ومناطق شبه الإستوائية الممطرة، وهي الشجرة الوحيدة التي تنفض أوراقها وتصبح عارية من الأوراق بين الكثير من الأشجار الدائمة الخضرة، لونها أبيض عسلي ، حامضية الطعم قليلا، وتحتوي على كميات عالية من فيتامين C وحامض التاتاريك، وحامض الستريك، ولها خاصية الذوبان في الماء.
وتحيط بشجرة التبلدي الضخمة كثير من الأساطير الشعبية ، لكن أسطورة علمية جديدة تجعل منها الشجرة الأهم والأشهر، وتقول إن أطباء كنديين اكتشفوا في عصير ثمارها المعروفة سودانيا بـ(الجونجليز) مادة مضادة لـلكوليسترول المسبب الرئيسي لأمراض القلب وتصلب الشرايين، كما وتحيط بها هالة من التقديس والأساطير، فهي عند بعض الشعوب تعتبر(شجرة الحياة) ورمز الخصوبة، وأن من يشرب عصير ثمارها سيمتلك القوة والشجاعة، ويصبح من الأبطال الأقوياء.
وتنبت شجرة التبلدي في مدغشقر، والبر الإفريقي الرئيسي وفي شبه الجزيرة العربية، كما تكثر في غرب السودان، وهي منطقة تسقط فيها الأمطار بغزارة، ثم تعقبها فترة جفاف، لذلك تختزن أشجار هذا النبات كميات هائلة من الماء تمكنها من الحياة، وتتفرع غصون شجرة التبلدي، وتقل أوراقها حتى يخيل للناظر إليها أنها جذور، وذلك للتقليل من عملية النتح (تبخر الماء من النبات)، وبالتالي يقل الفاقد من الماء عن طريق التبخر.
وقد ذهب البعض إلى أن الاسم الشائع لشجرة التبلدس هو في الأصل كلمة عربية “أبوحِباب” وقد أطلقت على هذا النوع من الشجر بسبب أن ثمره يحتوي الكثير من الحبات التي تؤكل وتعصر من أجل زيتها الصالح للأكل.
وتقدم الشجرة فوائد جمّة للمجتمعات المحلية، ففي بعض المناطق يستخدمون جذعها خزاناً للمياه بعمل تجويف داخلي للإستفادة منه في الفصل الجاف، كما يستخدم الفراغ داخله مسكنا وملجأ، وأوراقها اليانعة الحديثة الغنية بالسكريات والبوتاسيوم وفيتامين C، يأكلها السكان المحليون خضراوات طازجة، وتعرف في أنحاء كردفان ودارفور بـ(العفوص)، وتتبل بزبد الفول السوداني، كما تستخدم بعد تجفيفها في صناعة الأطعمة محلية، وللأوراق تأثيرات علاجية تستخدم في الطب الشعبي علاجا للحمى وأمراض المعدة ووقف النزيف.